الصفحات

مقالات

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم\

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد : فإن بين يدي كل حراك شعبي وتغيير سياسي مزدحمات آراء وجدلا ينشأ عادة بين أصحاب الرأي الواحد والراية الواحدة ، فضلا عن غيرهم .. هذا الجدل منشئوه اختلاف الأفهام والطباع ، وتفاوت القدرة في مسافة الرؤية وزاويتها ، وتباين القدرات في تقدير المخاطر ؛ كما وكيفا ، وعدم امتلاك سابقة في معايشة الحال المتوقعة ممارسة أو استقراء.

وهذا المعترك يُنتِج لا محالة اختلافًا واختلالا ، يَلِد بلا ريب تضعضعًا وضعفًا ، يسمح طواعية أو كرهًا بتسلل الفرص من بين الأصابع ، ويطلق لسان الشامت والحاسد ، ويوهي الكيان ويشتت الشمل المجتمع ، حتى لكأنما أصابته عين ، أو اجتاحته من السماء آفة ..

والأدهى أن من يعيش هذه الحالة هو – عادة - آخر من يشعر بها ؛ لأنه منشغل عن التقدم بالتقهقر ، وعن المنافسة بالمعافسة .. هذا مشاهد في عامة البلدان التي تمكنت من اجتياح الطغاة وضرب أروع الأمثال بالتضحيات ، وبعد وضع الحرب أوزارها تبدّدت الجموع في أودية العافية ، واختصموا بالكلام اختصامهم بالسلاح ، يتطلّبون من الجموع مالا تملك ، ومن رفقاء الدرب مالا يناسب ، فإن وافقوهم فقد تحملوا شططًا ، وإن خالفوهم أوسعوهم من الأوصاف رهقًا.. وربما انجلى غبار الحرب عن نصر ظاهر وهزائم باطنة .. وليست هذه الحال ضربة لازب في كل ثورة أو تجمع ، ولكن الشيطان ينسج فساد ذات البين فور شعوره بهزيمة أوليائه من الطواغيت ، يقول في نفسه : أنا بين هذين أتقلب بين إحدى الحسنيين ؛ إما الاستبداد أو فساد ذات البين .. لعنه الله وأخزى طلعته .

وتوقيًا من هذا الهاجس المخوف ، وإعذارًا إلى الله قبل فوات الأوان تجرأت في رقم هذه الأحرف والجُمل ، وهي وصايا عامة في بيان مسيس الحاجة إلى اجتماع الكلمة وأنها مصلحة عليا ، وأنها ضرورة في الحرب ، ومقدمة لابد منها في مرحلة بناء الدولة ما بعد سقوط النظام .. أرت التنبيه إليها ، تحفيزًا لإخواني المرابطين في الشام على اختلاف مواقعكم وسابقتكم ، وتذكيرًا لكم ، وأداءً لبعض حقكم علينا ، غير مُعلّم لكم ، فأنتم أهل فطنة ، ولكن الرأي لأهل الرأي قوة ، والذكرى لأهل الإيمان منفعة .
وقد لخصتها في وصايا جامعة ، ومقترحات عملية ، لم آلُ فيها نصحًا ، فإن أصبت فذاك سداد من الله ، وإن كانت الأخرى فحسبي علم الله بسلامة القصد وهو العفو الغفور .

وكنتُ واضحًا إلى حد التنصيص في بعضها ؛ لأن الأمر يتطلب ذلك ، على حد قول الأول :
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازما فليقْسُ أحيانا على من يرحم
وأجملتُ في أخرى ؛ لأن اللبيب بالإشارة يفهم . ومن الله أستمد العون ، وأسأله سبحانه أن تقع من إخواني موقعًا حسنًا ..
- تقوى الله وصية يُتواصى بها وينتهَى إليها فتحجز النفوس عن أهوائها ، وتخرجها من دائرة التنافس على السلطة لذاتها .. فلا تذهبوا بعيدًا عنها فإن الشيطان يستقوي بالذنوب.
- تحكيم العقلاء من كل تجمع سيعين في الوصول إلى أفضل نتائج ممكنة ، وتحكيم العقل في الحوار سيعين في تقديم المصالح العامة والمشتركة ، ويهيئ لجمع الكلمة . وقد يكون الأنسب للحوار ليس هو الرئيس المطاع في الحرب ، فلكل مقام مقال .. ولا يضير القائد والمطاع أن يأخذ بمشورة غيره ، وأن ينزل على رأيه .. بل ذلك من تمام عقله ونصحه .
- الاندماج أو التحالف يستلزم تنازلات إدارية وتنظيمية من كل طرف ، لكنه سيرفع من كفاءة الجميع ، ويمنحهم مكانة أفضل أمام الآخرين ، قبل وبعد سقوط النظام .. فما يفوت بسبب الاندماج مثلا سنجني أضعافه بالاندماج ذاته .
- كل كتيبة أو لواء أو تجمع يمثل قوة على الأرض من ذوي المنهج المَرْضِيّ في فكره وسلوكه لهم حقوق متساوية مع إخوانهم، فلا مكان لمزايدةٍ أو شروط مسبقة غير موضوعية من طرف على آخر، وما تفرزه الشورى والانتخاب فهو المصلحة ، وإن ظن البعض بادي الرأي غير ذلك .. ومن نكص عن الشورى وتردد في التسليم لرأي الأغلبية من إخوانه فهو مستبد وإن لعن الاستبداد .

- النظام النصيري الطائفي يتهاوى من داخله وإن بدا متماسكًا ، فيجب رص الصفوف واعتبار هذا التكتل المنشود – في جانبه الأهم – تهيئة لما بعد سقوط النظام ، وذلك يحتاج إلى وعي وفقه للمرحلة ، بعيدًا عن المحاصصة الضيقة ، ووهم العيش بأجواء الحرب وتدفق الدعم ، وبناء الحسابات عليها؛ لأن للسلم فرسانًا وأحزابًا ومنطقًا قد لا تتوفر الآن بما يكفي لأيٍ من الفرقاء المقاتلين .. فيجب تكوين هذه البيئة والقبول بمتطلباتها.
- الأطراف الخارجية يجب أن ينحصر دورها في مساعدة الآخرين على الاجتماع ، وتذليل العقبات ، واستخدام علاقاتها في هذا الاتجاه فقط ، وليس التفاوض نيابة عن طرف بعينه.
- إن الوقوف عند الأسماء[أسماء الكتائب] أو الأشخاص[أشخاص القادة والمتنفذين] أو المسئوليات ، والتترّسَ بأي منها ؛ سواء كان برفض ما يخالفها ، أو المطالبة ببقائها والدفاع عنها .. إن هذا مؤشر ضعف في العقل أو السياسة ، أو شخصنةٌ للكيانات [هيمنة أشخاص على قراراتها] أو تذرعٌ لتبرير عدم الاتفاق .. فينبغي اعتبار ذلك خللا في الجهة التي يصدر منها ذلك ، أو ممن يمثلها في الحوار ، يجب إصلاحه بكل وسيلة ممكنة .



- ينبغي أن ينبثق من التكتل الجديد – إن تم تأسيسه ، والذي يتعين تاسيسه – جبهة سياسية ناضجة ، ذات خطاب وحدوي جامع رشيد ، يرفض العنف والإقصاء ، ويؤمن بتداول السلطة ، والشراكة المجتمعية على أساس المواطنة والحقوق المتكافئة ، ويتعامل بذكاء مع المجتمع الدولي[وهو شر لابد منه] وسيكون ناجحًا إذا صُنِّف هذا التكتل الجديد على أنه : تكتل وطني ، يضم أطياف المجتمع السوري عرقيا ودينيا وجهويا ، مع المحافظة على طابعه العروبي الإسلامي.

ليست هناك تعليقات: